سورة الجن - تفسير تفسير الخازن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الجن)


        


{لنفتنهم فيه} وقيل الضمير راجع إلى الإنس وتم الخبر عن الجن ثم رجع إلى خطاب الإنس فقال تعالى: {وأن لو استقاموا} يعني كفار مكة على الطريقة يعني على طريقة الحق والإيمان والهدى وكانوا مؤمنين مطيعين {لأسقيناهم ماء غدقاً} يعني كثيراً وذلك بعد ما رفع عنهم المطر سبع سنين.
والمعنى لو آمنوا لوسعنا عليهم في الدنيا ولأعطيناهم ماء كثيراً وعيشاً رغداً. وإنما ذكر الماء الغدق مثلاً لأن الخير والرزق كله أصله من المطر وقوله «لنفتنهم فيه» أي لنختبرهم كيف شكرهم فيما خولوا فيه. وقيل في معنى الآية لو استقاموا أي ثبتوا على طريقة الكفر والضلالة لأعطيناهم مالاً كثيراً ولوسعنا عليهم لنفتنهم فيه عقوبة لهم واستدراجاً لهم حتى يفتنوا به فنعذبهم والقول الأول أصح لأن الطريقة معرفة بالألف واللام وهي طريقة الهدى والقول بأن الآية في الإنس أولى لأن الإنس هم الذين ينتفعون بالمطر {ومن يعرض عن ذكر ربه} أي عن عبادة ربه وقيل عن مواعظه {يسلكه} أي يدخله {عذاباً صعداً}، قال ابن عباس شاقاً وقيل عذاباً لا راحة فيه وقيل لا يزداد إلا شدة.
قوله تعالى: {وأن المساجد لله} يعني المواضع التي بنيت للصلاة والعبادة، وذكر الله تعالى فيدخل فيه مساجد المسلمين والكنائس والبيع التي لليهود والنصارى {فلا تدعوا مع الله أحداً} قال قتادة كان اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله فأمر الله عز وجل المؤمنين أن يخلصوا الدعوة لله إذا دخلوا المساجد كلها. وقيل أراد بالمساجد بقاع الأرض كلها لأن الأرض كلها جعلت مسجداً للنبي صلى الله عليه وسلم فعلى هذا يكون المعنى فلا تسجدوا على الأرض لغير الله تعالى، قال سعيد بن جبير: قالت الجن للنبي صلى الله عليه وسلم كيف لنا أن نشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك فنزلت: {وأن المساجد لله} وروي عنه أيضاً أن المراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها الإنسان وهي سبعة الجبهة واليدان والركبتان والقدمان والمعنى أن هذه الأعضاء التي يقع عليها السجود مخلوقة لله فلا تسجدوا عليها لغيره،.
(م) عن العباس بن عبد المطلب أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب وجهه وكفاه وركبتاه وقدماه» الآراب الأعضاء،.
(ق) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نسجد على سبعة أعضاء وأن لا نكف شعراً ولا ثوباً: الجبهة واليدين والركبتين والقدمين» وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين ولا نكفف الثياب ولا الشعر».


{قل} يعني النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ على الأمر {إنما أدعوا ربي} وذلك أن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم لقد جئت بأمر عظيم فارجع عنه فنحن نجيرك فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم «إنما أدعو ربي {ولا أشرك به أحداً قل إني لا أملك لكم ضراً ولا رشداً}» أي لا أقدر على أن أدفع عنكم ضراً ولا أسوق إليكم رشداً وإنما الضار والنافع والمرشد والمغوي هو الله تعالى. {قل إني لن يجيرني من الله أحد} أي لم يمنعني منه أحد إن عصيته {ولن أجد من دونه ملتحداً} أي ملجأ ألجأ إليه وقيل حرزاً أحترز به وقيل مدخلاً في الأرض مثل السرب أدخل فيه {إلا بلاغاً من الله ورسالاته} أي ففيه الجوار والأمن والنجاة. وقيل معناه ذلك الذي يجبرني من عذاب الله يعني التبليغ وقيل إلا بلاغاً من الله فذلك الذي أملكه بعون الله وتوفيقه. وقيل معناه لا أملك لكم ضراً ولا رشداً لكن أبلغ بلاغاً عن الله عز وجل فإنما أنا مرسل لا أملك إلا ما ملكت، {ومن يعص الله ورسوله} يعني ولم يؤمن {فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً حتى إذا رأوا ما يوعدون} يعني العذاب يوم القيامة {فسيعلمون} أي عند نزول العذاب {من أضعف ناصراً وأقل عدداً} أهم أم المؤمنون {قل إن أدري} أي ما أدري {أقريب ما توعدون} يعني العذاب وقيل يوم القيامة {أم يجعل له ربي أمداً} أي أجلاً وغاية تطول مدتها والمعنى أن علم وقت العذاب غيب لا يعلمه إلا الله عز وجل: {عالم الغيب} أي هو عالم ما غاب عن العباد {فلا يظهر} أي فلا يطلع {على غيبه} أي الغيب الذي يعلمه وانفرد به {أحداً} أي من الناس ثم استثنى فقال تعالى: {إلا من ارتضى من رسول} يعني إلا من يصطفيه لرسالته ونبوته فيظهره على ما يشاء من الغيب حتى يستدل على نبوته بما يخبر به من المغيبات فيكون ذلك معجزة له وآية دالة على نبوته. قال الزمخشري وفي هذا إبطال الكرامات لأن الذين تضاف إليهم الكرامات وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب وفيه أيضاً إبطال الكهانة والتنجيم لأن أصحابهما أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط. قال الواحدي وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت ونحو ذلك فقد كفر بما في القرآن. فأما الزمخشري فأنكر كرامات الأولياء جرياً على قاعدة مذهبه في الاعتزال ووافق الواحدي وغيره من المفسرين في إبطال الكهانة والتنجيم قال الإمام فخر الدين ونسبة الآية في الصورتين واحدة فإن جعل الآية دالة على المنع من أحكام النجوم فينبغي أن يجعلها دالة على المنع من الكرامات قال: وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء من ذلك والذي تدل عليه أن قوله: {فلا يظهر على غيبه أحداً} ليس فيه صيغة عموم فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر الله تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه فنحمله على وقت وقوع القيامة، فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد ثم إنه يجوز أن يطلع الله على شيء من المغيبات غير الرسل كالكهنة وغيرهم وذكر ما يدل على صحة قوله.


{ليعلم} أي ليعلم محمد صلى الله عليه وسلم {أن} أي أن جبريل قد بلغ إليه رسالات ربه وقيل معناه ليعلم محمد أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وأن الله قد حفظهم ودفع عنهم. وقيل معناه ليعلم الله أن الرسل {قد أبلغوا رسالات ربهم} فيعلم الله ذاك ظاهراً موجوداً فيوجب فيه الثواب {وأحاط بما لديهم} أي علم الله ما عند الرسل فلا يخفى عليه شيء من أمورهم {وأحصى كل شيء عدداً} قال ابن عباس: أحصى ما خلق وعرف ما خلق لم يفته شيء حتى مثاقيل الذر والخردل، والله سبحانه وتعالى أعلم بمراده وأسرار كتابه.

1 | 2